الإدارة المحلية في سوريا لها جذور طويلة، لكنها واجهت تحديات عديدة عبر التاريخ الحديث. بعد إصدار قانون الإدارة المحلية في عام 1971، كان الهدف الرئيسي هو تعزيز اللامركزية الإدارية وتحسين الخدمات على المستوى المحلي. ومع ذلك، تمركز السلطة في دمشق أدى إلى ضعف فعالية هذا النظام. تطورت الإدارة المحلية عبر الزمن، لكنها واجهت صعوبات هيكلية عديدة، مما حد من دورها الفعلي في تحسين حياة المواطنين.
صدر أول قانون للإدارة المحلية في سوريا في عام 1971، والذي نص على تأسيس المجالس المحلية في كل محافظة. الهدف المعلن من القانون كان تفويض بعض الصلاحيات من الحكومة المركزية إلى هذه المجالس، لتعزيز الكفاءة وتحسين تقديم الخدمات. لكن التنفيذ العملي للنظام ظل محدوداً بسبب هيمنة السلطة المركزية على قرارات المجالس المحلية، بالإضافة لانتشار الفساد والمحسوبيات في جميع مفاصل الدولة، مما أفقد هذه المجالس الفعالية المرجوة منها.
في عام 2011، صدر قانون الإدارة المحلية رقم 107، والذي سعى إلى تعزيز استقلالية المجالس المحلية وإعطائها صلاحيات أكبر، مثل إدارة الموارد وتقديم الخدمات الأساسية. ولكن، بقيت هذه القوانين حبراً على ورق ولم يتم تنفيذ مضامينها.
أدت الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري إلى تغييرات جذرية في دور ووظائف المجالس المحلية. في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، ظهرت المجالس المحلية كهيئات بديلة تدير الحياة اليومية وتوفر الخدمات الأساسية. اعتمدت هذه المجالس على الموارد المحلية والدعم الدولي لتقديم خدمات مثل المياه والكهرباء والتعليم. ومع ذلك، واجهت تحديات هائلة، من نقص التمويل إلى التدخلات العسكرية.
بعد سقوط النظام، يمكن أن تكون الإدارة المحلية أداة فعالة لإعادة بناء سوريا. المجالس المحلية ستلعب دورًا حيويًا في إعادة الإعمار وتقديم الخدمات. ومع ذلك، تواجه هذه المجالس تحديات مثل نقص الموارد، غياب الأطر القانونية الواضحة، والصراعات السياسية بين الجهات المحلية والمركزية.
وهنا تبرز أهمية إشراك المجتمع المحلي في اتخاذ القرارات حيث يعد أمرًا حاسمًا لضمان نجاح الإدارة المحلية. عندما يكون المواطنون جزءًا من عملية صنع القرار، يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه مجتمعاتهم ويساهمون بشكل فعال في تحسين الظروف المحلية. يُمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منصات حوارية بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي.
كما يمكن تفعيل دور المجالس المحلية من خلال اللجان الشعبية التي تمثل المجتمع بكل شرائحه. هذه اللجان يمكن أن تكون وسيلة لربط المجلس المحلي بالمجتمع، وضمان أن القرارات المتخذة تعكس احتياجات المواطنين الفعلية. أيضًا، يمكن أن تكون هذه اللجان أداة لتقديم ملاحظات مستمرة حول أداء المجالس المحلية والمساعدة في حل المشكلات اليومية.
في البرازيل، نجح نظام المجالس المحلية في تحقيق تقدم ملحوظ بفضل مشاركة المواطنين في صنع القرار على المستوى المحلي، وخاصة في تخصيص الميزانية. تجربة جنوب إفريقيا أيضًا تقدم مثالًا ناجحًا على تفعيل المجالس المحلية لتحقيق التنمية في المناطق الريفية. هذه التجارب تظهر كيف يمكن للمجتمع المحلي أن يكون شريكًا فاعلًا في تحسين الخدمات وتحقيق التنمية المستدامة.
الدروس المستفادة من هذه التجارب تشير إلى أهمية وجود أطر قانونية واضحة تدعم استقلالية المجالس المحلية، وضمان مشاركة مجتمعية واسعة في اتخاذ القرارات. في سوريا بعد سقوط النظام، يجب العمل على تعزيز اللامركزية وتوفير الموارد الكافية للمجالس المحلية، مع إشراك المواطنين في عملية صنع القرار بشكل مباشر لضمان استجابة السياسات لاحتياجاتهم الفعلية.
رائد حمد
18-02-2025