في سلسلة من المنشورات السابقة، تناولت عدة مواضيع تتعلق بالعمل الخيري وأهميته في دعم المجتمع وتعزيز التضامن. تحدثت عن احترام كرامة المستفيدين أثناء تقديم المساعدات، وعن العدالة الانتقالية وكيف يمكن للجمعيات الخيرية أن تسهم في بناء مجتمع قائم على العدل والمساواة، كل هذه النقاط تهدف إلى تعزيز فعالية العمل الخيري وزيادة تأثيره الإيجابي في المجتمع. لكن، للوصول إلى هذه الأهداف، نحتاج إلى مناقشة وضع الجمعيات الخيرية المحلية التي تعتمد على التبرعات المحلية ولا تستفيد من التمويل المؤسسي أو الدولي، ولا تعتمد على منصات التمويل عبر الإنترنت. وأريد أيضا تسليط الضوء على الجمعيات المحلية الحالية التي تدار من دون هيكلية واضحة وشفافة، وغالباً ما تدار من دون خطط استراتيجية أو تشغيلية.
في المجتمعات الصغيرة (مثل بلدات الأرياف في سوريا)، هناك العديد من الجمعيات الخيرية التي تعتمد بشكل أساسي على التبرعات المحلية المباشرة. هذه الجمعيات غالبًا ما تكون محدودة الهيكلية، حيث يقوم شخص واحد أو عدد قليل من الأفراد بإدارة جميع جوانب العمل الخيري من التخطيط إلى التنفيذ والإشراف، وهذا ما يتسبب في وجود العديد من الثغرات في الشفافية أو الاستدامة. وأود في البداية توضيح أبرز التحديات التي تواجه هذه الجمعيات:
1. غياب الإعلام والشفافية:
بسبب عدم استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي (وغيرها من وسائل مشاركة المعلومات) بشكل فعّال، تعاني هذه الجمعيات من قلة الوعي بين المتبرعين حول نشاطاتها. وهذا يحد من قدرتها على كسب ثقة المتبرعين وتوسيع نطاق أعمالها. كما أن غياب الشفافية يؤدي إلى صعوبات في جذب المزيد من المتبرعين الذين يفضلون معرفة كيفية توزيع أموالهم ومدى تأثير التبرعات.
الشفافية (وقد تحدثت سابقاً بشكل موسع حوالها) لا تعني نشر المبالغ المستلمة، بل تشمل معانٍ أوسع يجب الانتباه لها، كما أنني عندما أتحدث عن الإعلام أقصد به الإعلام الاحترافي والمهني والذي يوضح نتائج العمل ويحفز المتبرعين.
2. التنازع ووجود عدة جمعيات في مجتمعات صغيرة:
في المجتمعات الصغيرة، قد تنشأ العديد من الجمعيات التي تعتمد على نفس مجموعة المتبرعين، مما يؤدي إلى التنازع على الموارد المحدودة. إضافة إلى ذلك، قد تنشأ مبادرات مجتمعية متعددة بدون إطار مؤسسي شفاف وواضح، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وعدم تحقيق الأثر المطلوب.
لذلك دائماً ما أنصح بأن تندمج هذه الأجسام في جسم إداري قوي قادر على المنافسة وتقديم خدمات ملائمة للسكان، بدلاً من وجود أجسام تخدم العاملين فيها والداعمين لها.
3. غياب الهيكلية والتنظيم:
العديد من هذه الجمعيات تفتقر إلى الحد الأدنى من الهيكلية المطلوبة، وهو ما يعيق تنفيذ المشروعات بشكل فعال وتحقيق الأهداف المرجوة. العمل الخيري يحتاج إلى تنظيم جيد وخطط واضحة تضمن التنسيق بين الفرق، والشفافية في توزيع الموارد، والمتابعة الدقيقة لآثار المشاريع.
الحل: نحو اندماج وتوحيد الجهود
لمواجهة هذه التحديات، يجب على الجمعيات الخيرية الصغيرة التفكير في الاندماج لتشكيل هيكلية واضحة. هذا سيساعد في توحيد الجهود وتجنب التنازع على نفس المتبرعين، كما سيؤدي إلى تعزيز الشفافية وتحسين كفاءة توزيع الموارد. كما أن وجود هيكل تنظيمي واضح يساعد في تحسين العمل الداخلي للجمعية، وضمان توزيع المهام بشكل فعال.
أهمية تحصيل التمويل المؤسسي والدولي والبحث عن متبرعين عبر منصات التمويل الجماعي
في المرحلة القادمة في سوريا، من المهم جدًا أن تبدأ هذه الجمعيات في البحث عن مصادر تمويل مؤسسي ودولي. هذا النوع من التمويل يوفر استقرارًا ماليًا أكبر ويسمح بتنفيذ مشروعات أكبر وأكثر تأثيرًا. إضافة إلى ذلك، المؤسسات الدولية غالبًا ما تتطلب تقارير شفافة وإجراءات مالية صارمة، مما يعزز من ثقة المتبرعين ويحسن من سمعة الجمعيات.
أحد الحلول الحديثة لتوسيع نطاق التبرعات هو استخدام منصات التمويل عبر الإنترنت. هذه المنصات توفر وسيلة سهلة وشفافة للمتبرعين للمساهمة، كما تسمح للجمعيات بالتواصل مع جمهور أوسع، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. استخدام هذه المنصات يعزز من فرص الحصول على دعم مالي أكبر، ويتيح للمنظمات توسيع نطاق عملها وتأثيرها.
الخلاصة
الجمعيات الخيرية المحلية في سوريا تواجه تحديات كبيرة في ظل الأزمات المتلاحقة، لكنها تملك الفرصة لتطوير نفسها وتعزيز قدرتها على تحقيق الأثر المطلوب. عبر توحيد الجهود، تبني هياكل تنظيمية واضحة، والبحث عن مصادر تمويل مؤسسي ودولي، واستخدام التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية، يمكن لهذه الجمعيات أن تحقق المزيد من الشفافية والكفاءة، وتساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة للمجتمع السوري.
رائد حمد
10-02-202